| مقدمة | نهج ثروة | رسالة ثروة | بيان ثروة | مؤسّسو ثروة | تاريخ ثروة |


بيان ثروة


استهلال 


على الرغم من التنوّع الإثني والثقافي الظاهر الذي يميّز هذه المنطقة من العالم، والتي يسمّيها الكثيرون الشرق الأوسط، أو الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا، أو العالم الإسلامي، من بين غيرها من التسميات غير الدقيقة، والتي سنسميها نحن كمنويلث ثروة (ذلك الكيان الذي لا يزال يبحث عن ذاته بالفعل في إطار الحضارة العالمية المعاصرة)، فإن المنطقة تعاني من مجموعة من الأزمات الجوهرية المتشابهة والتي يمكن لها أن تدفع بمعظم دول المنطقة إلى حافة التفكّك والانهيار السياسي والاجتماعي في لحظة ما من المستقبل غير البعيد، الأمر الذي سيكون له أصداء وتداعيات خطيرة في كل أنحاء العالم. 

وتشمل هذه الأزمات: 

1.     انفجار سكاني يرهق موارد معظم دول المنطقة. 
2.     تداعٍ اقتصادي ملحوظ في الكثير الأقاليم والدول، نتيجة جملة من العوامل مثل: نضب الموارد الطبيعية التي تشكّل الدعائم الأساسية للاقتصاديات القائمة، والفساد، وسوء الإدارة. 
3.     الكوارث البيئية الناجمة عن التغيّر المناخي، والجفاف، والرعي الجائر، ونقص مصادر مياه الشرب، وفي بعض الحالات، التلوّث الصناعي، وما شابه ذلك. 
4.     استمرار وتزايد هجرة الأدمغة، حيث تفضل ألمع العقول الهجرة إلى الغرب أو الشرق الأقصى أو على الأقل إلى الدول الأكثر ازدهاراً في المنطقة. 
5.     انهيار وعدم كفاءة أنظمة التعليم القائمة نتيجة الانفجار السكاني والإهمال المستمر والفساد. 
6.     تراجع الخدمات الاجتماعية والحكومية. 
7.     مجتمعات مدنية مكبوتة وقاصرة تجد نفسها عاجزة عن التعويض عن عيوب وتقصير الأنظمة الحاكمة. 
8.     غياب بعد النظر والتخطيط من جانب الأنظمة القائمة. 
9.     غياب الاستثمار في مجال البحث والتطوير. 
10.انتشار التطرف الديني والنزعات القومية والفئوية.
11.استمرار التدخّل الخارجي في المنطقة على نحو غالباً ما يفشل في أخذ مصلحة شعوب المنطقة ومخزونها الفكري والثقافي بعين الاعتبار، وقد يتخذ في بعض الأحيان طابعاً تبشيرياً مبالغاً فيه يزيد تنفير شعوب المنطقة من الحضارة العالمية المعاصرة، ويدفعها باتجاه التطرّف والانغلاق. 
12.تكاثر الصراعات والنقاط الساخنة، كما في فلسطين والعراق وأفغانستان والقوقاز ودارفور والصومال ولبنان وجنوب الفيلبين وجنوب تايلاندا ..الخ، مع غياب آليات فاعلة وواضحة لفض النزاعات وصنع السلام في المنطقة، والاستجابة الضعيفة والمتردّدة للمجتمع الدولي الذي لا يزال محكوماً بالتركيز على مصالحه الآنية من ناحية، وبالصراع القائم، من ناحية أخرى، ما بين القوى العظمى المختلفة ما يجعله عاجزاً عن اتخاذ قرار موحّد وفعّال في معظم الأحيان.   

وتعود كل هذه الأزمات اليوم، والتي طال إهمالها وكثر المستفيدين من وجودها استمرارها، ببطء وثبات لكي ترهق شعوب المنطقة، التي تزداد فقراً باطراد، ويزداد التنافس بينها على الموارد الناضبة، وتزداد حدة التوترات الإثنية والفئوية والطبقية بينها كنتيجة لذلك. 

ولن تتمكّن الدول الأكثر ازدهاراً في المنطقة من النأي بنفسها عن توابع السلبية لهذا الوضع، وستدفع القوى الخارجية ثمناً باهظاً في هذا الصدد أيضاً، وذلك عندما تتهدد مصالحها ويصبح تدخّلها المستمر في المنطقة مفضوحاً وأكثر إشكالية من أي وقت مضى، ويتحوّل إلى حرب باردة جديدة أكثر تعقيداً وغموضاً من سابقتها. 

ومع ذلك، ورغم أن التدخّل العالمي في منطقتنا أعاق، ومازال، قدرتنا على العمل من أجل تحقيق أهدافنا السياسية والاجتماعية، فإن إلقاء كامل اللوم فيما يتعلّق بمشاكلنا القائمة على “الخارج” أمر مضلِّل وله نتائج عكسية، بل ربما مثّل نوعاً من النفاق أيضاً، نظراً لأننا غالباً ما لا نتقبّل أن يوجّه أي لوم إلينا لما اقترف باسمنا في الماضي، ولما نقترفه نحن اليوم، في مسعانا لتحقيق مصالحنا القومية المتصوّرة بحق الشعوب الأخرى. كما أننا غالباً ما نرفض أن يوجّه إلينا اللوم فيما يتعلّق بما نقترفه نحن بحق أنفسنا وضد بعضنا البعض، وهو غالباً ما يكون أشنع مما فعله ويفعله “الخارج” بحقّنا. 

ومن ناحية أخرى، لا يمكن، بل لا ينبغي، لمسؤولية تقويتنا وتمكيننا كشعوب ودول أن تقع على عاتق الآخرين، ولا يجب أن ننتظر ذلك منهم. بل لا يجب علينا أن نتوقع من أي كان عدم استغلال ضعفنا الحالي لتحقيق مصالحه الخاصة. فالدول نادراً ما تنصاع إلى ما تمليه الأخلاق والفضيلة في علاقاتها المتبادلة، وذلك بصرف النظر عن الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية في هذا الصدد. إذ دأبت الشعوب من الأزل على استغلال لحظات الضعف والأزمات والانقسامات لدى بعضها البعض في صراعها المستمر لتلبية احتياجاتها وتحقيق مصالحها، بصرف النظر عن مدى دونية أو أنانية هذه الاحتياجات والمصالح، مبرّرة تصرفاتها بالعودة إلى مختلف أنواع الذرائع والإيديولوجيات. هذه هي إحدى حقائق الحياة القاسية التي يتوجب علينا التعامل معها بعقلية واقعية وذرائعية. ولهذا السبب، من الأفضل لنا أن نبذل قصارى جهدنا لتمكين أنفسنا من خلال معالجة مشاكلنا التنموية الأساسية والانكباب على مواجهة نقاط الضعف في أنظمتنا التعليمية، لما للتعليم من أهمية كبيرة في نهضتنا المرتجاة. 

ولهذا، ونظراً للطبيعة الشمولية والفاسدة والقاصرة للأنظمة التي تحكم معظم دولنا، فإن جهود التنمية فيها تتعرّض للإعاقة باستمرار وباتت بذلك ترتبط مباشرة بالنشاطات الساعية لبثّ وتحقيق العدالة والديمقراطية في مجتماعاتنا. وبسبب تداخل وترابط العالم المعاصر، واستمرار تدخّل القوى العالمية في شؤوننا، ونزعتنا إلى تصدير بعض مشاكلنا على الأقل إلى الخارج عبر الهجرة والإرهاب، فإن الصراع الذي يفرض نفسه على الساحة اليوم هو بالمحصلة نضال ثلاثي الأبعاد: نضال من أجل التنمية، ونضال من أجل العدالة والديمقراطية، ونضال من أجل الحصول على حصّة أكبر وأكثر عدالة في عملية اتخاذ القرار الدولي. ولهذا السبب لا يمكن لنضالنا أن يجري بعزلة عن العالم، بل ينبغي أن تشارك فيه فعّاليات وقوى من خارج المنطقة، لكي نتمكّن من العمل بالتوازي على هذه الأصعدة الثلاث. 

كما يجب أن لا تبقى مسألة التحرر والسيادة الوطنية على رأس مهامنا – فهناك تحديات أكبر بكثير أمامنا، تحديات تنموية الطابع بات تأجيل مواجهتها يشكّل خطراً وجودياً علينا كشعوب وثقافات ودول. لكن إن هذا لا يعني أن نكفّ عن النضال من أجل تحرير أراضينا المحتلة، أو أن نتجاهل مختلف النزاعات المشتعلة في المنطقة والتي تغذّيها، جزئياً، الطموحات القومية، لأننا وببساطة لا نستطيع القيام بذلك. المراد هنا هو أن نسبغ على قضايا التحرّر الوطني الدرجة الثانية من الأهمية بعد المسألة التنموية، وذلك من خلال التشديد على ضرورة تجنّب عقلية كلّ شيء أو لا شيء في هذه القضايا، بحيث لا نغامر بأن نخرج صفر اليدين، وبحيث نتجنّب إطالة هذه النزاعات إلى أمد طويل نستنفذ خلاله مواردنا الوطنية النادرة ونقدّم الذرائع الضرورية للأنظمة الحاكمة كي تؤجّل معالجة مشاكلنا التنموية الجدية وحاجتنا إلى إصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية جوهرية. ولعل في التجارب التي مرّت علينا في العقود الماضية ما يكفي من الشواهد على كيفية تلاعب الأنظمة القائمة بالقضايا الوطنية المختلفة لتبرير استبدادها وتأجيل الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرجوة إلى أزل غير محدد. 

من ناحية أخرى، فإن اختيار سبل العمل المناسبة في عملنا النضالي المقترح لا يقلّ أهمية في هذا المجال من تحديد طبيعة هذا النضال، فطريق العنف سيقوّض بلا شكّ قدرتنا على إنشاء المؤسسات والبنى المستقرّة والقابلة للاستمرار والضرورية لتطوير وتحديث مجتمعاتنا. اليوم أكثر من أي وقت مضى، باتت مجتمعاتنا وشعوبنا بحاجة إلى التعرّف وعن كثب على فلسفة اللاعنف وعلى أهمية النضال اللاعنفي في مواجهة حتى أكثر التحديات خطورة وصعوبة.  

وتتطلب إدارة هذا كله مزيجاً صعب التحقيق ولكنه ضروري من الذرائعية، على المدى القصير، والمثالية، على المدى البعيد. كما يجب تثقيف شعوب المنطقة وتمكينها من خلال تعريفها، بالتدريج، على نوع مختلف من الحماسة الثورية، حماسة تقوم على الالتزام الشديد بالقيم الإنسانية والمبادئ الديمقراطية واللاعنف. وسيكون تبنّي هذه الذهنية بمثابة خطوة أولى نحو تخفيف أثر الإيديولوجيات المتطرّفة، ونحو ردم هوة الثقة والوعي ما بين القادة المدنيين للمنطقة وبين المدافعين عن الحقوق والديمقراطية من عامة الشعب. 

وعلى هذا الأساس، يجب أن لا تُقدّم فلسفة ثروة وكأنها إيديولوجيا جديدة، حتى ولو ألبست عباءة ليبرالية. بل يجب النظر إليها بصفتها إطاراً معيناً للتفكير يتسم بالانفتاح على الآخر والمراجعة المستمرّة للأهداف والمواقف، في مسعى دائم لإعادة ترتيب أولوياتنا بشكل واقعي، ودون أن نغفل عن مبادئنا ومثلنا وأهدافنا المعلنة. وفي غضون هذا كله، علينا أن نتحدى أنفسنا وشعوبنا باستمرار لكي نعمل سوية على تطوير السبل والأعراف والقيم السائدة في ثقافاتنا ومجتمعاتنا. 

وعلينا أيضاً أن نخوض نضالنا بروح مفعمة بالأمل والحب والغفران. فالكراهية لن تسهّل اندماجنا في نسيج الحضارة المعاصرة، لا بل إنها ستجعله أمراً مستحيلاً. إذ يتطلّب الاندماج إحساساً أعلى بقيمة ما تقدّمه الحضارة المعاصرة من فوائد وميزات للإنسان، والتزاماً أشدّ بدعائمها الأخلاقية، حتى عندما نشعر بأننا وقعنا، في بعض الأحيان، ضحايا لذات تلك الشعوب والسلطات والدول التي تزعم أنها هي من وضع مبادئ الحضارة المعاصرة والتزم بها أولاً. بل علينا أن نستغلّ هذه الأوقات بالذات لنظهر أن التزامنا بالمثل الإنسانية للحضارة المعاصرة ينبع عن قناعة تامة وإيمان عميق وراسخ بها، ولا يمثّل مجرّد التزام تكتيكي من طرفنا. 

إن طبيعة مسيرتنا النضالية من أجل تقوية وتمكين أنفسنا في هذا العالم المعاصر تتطلب منا في الواقع أن نصبح قادة أخلاقيين ذوي تأثير ليس فقط على منطقتنا وحسب، بل على العالم أجمع. فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن نثبت مصداقيتنا من جديد كشعوب وثقافات، الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نعود فيها لنصبح عناصرة فاعلة من جديد في إطار الحضارة الإنسانية، فنحافظ على فرادتنا وخصوصيتنا حتى ونحن نسعى إلى الاندماج، الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تقودنا إلى النجاح والنهضة. 

بيان ثروة 

إنا في “ثروة” نؤمن:

  • بأن كمنويلث ثروة هو ملك لكل شعوبه، بصرف النظر عن الخلفيات الإثنية والدينية والحالة الاجتماعية. 
  • بأن قوة الكمنويلث تكمن في تنوّعنا، وفي قدرتنا على إيجاد السبل المناسبة لتحسين وتعزيز العلاقات بين التجمّعات المختلفة، وإيجاد التوازنات المناسبة بين احتياجاتها الأساسية وتطلّعاتها. 
  • بسيادة القانون وخضوع الجميع للقانون على قدم المساواة، وبالحكم الديمقراطي المسئول والخاضع للمحاسبة الشعبية والقانونية. 
  • بحرية الجميع في التعبير السياسي والفنّي والأدبي. 
  • بالتنمية والتعليم بصفتهما مدخلان أساسيان للتمكين السياسي والاجتماعي. 
  • بحق قادة المجتمع المدني في لعب دور فاعل في صياغة مستقبل الكمنويلث
  • بأننا نستحقّ قسطاً أكبر من المشاركة في عملية اتخاذ القرار على المستوى الدولي، وبأن الطريق الأمثل لتحقيق ذلك يكمن في التشديد على التنمية والتعليم في مجتمعاتنا ودولنا. 
  • بأن مسؤولية تحقيق السلام وحلّ النزاعات في الكومونويلث تقع على كواهلنا في المقام الأول، وبأن دور المجتمع الدولي يمكن في دعم جهودنا ومساعينا في هذا المجال والمساعدة على توجيهها بالتوافق مع القوانين والمعاهدات الدولية القائمة، وليس في فرض الحلول علينا. 
  • بأننا نمتلك كامل الحق لنناضل من أجل استقلال وتحرير أراضينا المحتلة، متيقّظين خلال هذا أن لا تقوم الأنظمة الحاكمة وحركات التحرّر المختلفة باستغلال دعمنا للقضايا الوطنية لتبرّر قمعها، و أن لا تشكّل مناهجنا النضالية خطراً على قضية التنمية في بلداننا ومجتمعاتنا. 
  • بمد يد الصداقة إلى شعوب العالم أجمع لكي نتمكّن من تقوية وتمكين أنفسنا ولكي نضغط على الأنظمة الحاكمة في ربوعنا حتى تتبنّى سياسات أفضل وأكثر تنوراً فيما يخصّ تفاعلنا واختلاطنا. 
  • بضرورة إنشاء مؤسّسات ومنظمات وشبكات إقليمية يمكن أن تساعدنا في التصدّي لمختلف التحدّيات التنموية بالتنسيق مع المنظمات والمؤسسات الدولية ذات الذهنية المشابهة.